«ديك ماوت» أنقذ أهله فحرموا أكل لحمه
«ديك ماوت» أنقذ أهله فحرموا أكل لحمه

علاقة غير اعتيادية تجمع سكان بلدة ماوت بالديكة، وهي علاقة تعود لأكثر من ثلاثة قرون تحمل القدسية والاحترام لهذا الطائر المتميز بريشه الملون. ففي إحدى الأماسي نبّه ديكة القرية أهالي ماوت عبر صياحها القوي بوجود خطر يداهمهم، فطارت الديكة إلى الجبال القريبة من القرية، وكانت تلك الصحيات بمثابة إنذار عن خطر تهدد حياة السكان مما دفعهم إلى اقتفاء أثر الديوك باللجوء إلى الجبال العالية المحيطة بالقرية لحماية أنفسهم من قوة غازية اقتحمت ماوت، وأنقذوا حياتهم، ومن تلك اللحظة دخلت علاقة سكان ماوت بالديكة بداية جديدة تمنع ذبحها وتناول لحمها احتراماً ووفاءً لهذا الطائر.

قضاء ماوت أحد أقضية محافظة السليمانية، وكان في السابق قريةً صغيرةً يقطنها أناس أوفياء، كرام، محبّون للضيافة. وقد اشتهر سكّانها بخصلة فريدة من نوعها؛ فهم لا يذبحون الديك ولا يأكلون لحمه، وقد توارثوا هذا التقليد من أجدادهم عبر الأجيال حتى يومنا هذا. وأقام أهل القضاء تمثالاً للديك في وسط بلدتهم، حيث يُجلّونه ولا يعتبرونه مجرد طائر مقدس، بل أيضاً رمزاً لأحد أكثر الطيور ذكاءً.

الحاج عبد الفتاح أحمد فقي إسماعيل، أكبر رجال القضاء سناً مع زوجته

 

«عند أذان المغرب... صاحت الديكة»

يقول محمود علي، أحد سكان قضاء ماوت، ويشغل منصب المختار فيه منذ 15 عاماً، وقد عاش آباؤه وأجداده في ماوت أيضاً، في حديث لمجلة «كوردستان بالعربي» حول قصة الديك الذي أصبح رمزاً للوفاء لدى أهل المنطقة: «كانت لدينا في السابق قرية في الأعلى تُسمّى ماوت القديمة، ثم نزلنا إلى السفح، وأسسنا قرية أخرى بالاسم نفسه، ماوت، وجعلناها أكثر اتساعاً وازدهاراً».

ويضيف محمود: «في إحدى الأمسيات، قرب أذان المغرب، بدأت ديَكة القرية تصيح خارج الوقت المعتاد، ولم تذهب إلى أقنانها وأماكن مبيتها المعتادة، بل طارت إلى أحد الجبال. وقد أثار صياح الديكة غير المألوف وقتئذ تساؤلاتٍ لدى حكماء القرية وشيوخها، فاجتمعوا لمعرفة سبب هذا السلوك الغريب، وراقبوا الظاهرة عن كثب».

ويتابع قائلاً «تبِع قسمٌ من الأهالي الديكة إلى الجبل، وقسمٌ آخر بقي في القرية. وبعد ذلك، هاجم جيشٌ مجهول القرية، ولا تزال هويته مجهولة حتى اليوم، وإن كان يُذكر أنه من جيش المغول، فوقع جميع مَن بقي فيها ضحايا مذبحة جماعية. وفي اليوم التالي، عندما عاد من صعدوا إلى الجبل، وجدوا أن مجزرة قد وقعت. ومنذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، لا يذبح أهل ماوت الديكة، وفاءً وامتناناً لذلك الطائر الذي أنقذهم».

ويؤكّد محمود أن والده وجدّه لم يذبحا ديكاً قطٌّ، وأنه يسير على النهج نفسه، قائلاً: «سنظل أوفياء لهذا الطائر الذي أنقذنا من أيدي الأعداء».

«من يذبح الديك.. يحرم عليه لحمه»

الحاج عبد الفتاح أحمد فقي إسماعيل، 83 عاماً، وهو أكبر رجال القضاء سناً، وُلد عام 1942. يروي لمجلة «كوردستان بالعربي» حادثة الديك تلك الليلة قائلاً: «الديك لا يصيح عادةً بين أذان المغرب وأذان العشاء، لكن في ذلك المساء صاح الديك، وبعد قليل هاجم جيشٌ قرية ماوت وقتل عدداً من أهلها. فاجتمع أحد شيوخ القرية بالأهالي، وقال لهم: منذ هذه اللحظة، حُرّم ذبح الديك، وصار لحمه محرّماً على من يذبحه، ومن يذبحه، يحرم عليه لحمه».

وقد أُقيمت عند مدخل قضاء ماوت تماثيل وصور للديك في عدّة أماكن، كما يحكي بعض المعلمين في المدارس قصة الديكة للطلاب كجزء من تراث المنطقة.

وهل هناك علاقة بين تقديس الديك لدى الفرنسيين وأهل ماوت؟

يردّ الحاج عبد الفتاح على هذا التساؤل قائلاً: «لا، ليست هناك أي علاقة بينهما، فنحن والفرنسيون لا تربطنا آصرة، لكن سيكون من المفيد والجميل أن يكون هناك تواصل وتنسيق معهم، من أجل تبادل القصص ونقل قصة ديك ماوت إليهم».

الصور: ناصح علي خياط

 

وصيّة متوارثة عبر الأجيال

تقول حنيفة حسين فقي إسماعيل، وهي من سكان قضاء ماوت: «لا أذبح الديك ولا آكل من لحمه، وذلك التزاماً بوصية والدي وجدّي».

وكشف الشخصية المعروفة في ماوت، آزاد عزيز ماوتي، لـ«كوردستان بالعربي» عن تقديم اقتراح للجهات المعنية بوضع مجسم للديك على أختام جميع دوائر ماوت تخليداً وتكريماً لدور الديك التاريخي في هذه البلدة، فضلا ًعن قيام ناشطين بنشر أعلام تحمل صورة الديك في الدوائر الحكومية والمؤسسات الأخرى.

يُذكر أن قضاء ماوت، أحد أقضية محافظة السليمانية، يبلغ عدد سكانه حوالي 12 ألف نسمة، ويقع على بُعد 55 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من مدينة السليمانية. ويُعرف القضاء بجمال طبيعته، ويُعدّ منطقةً زراعيةً تُنتج أنواعاً مختلفةً من المحاصيل، منها العنب. كما يتميّز بجماله السياحي وهدوئه، مما يجعله مقصداً للراغبين في الابتعاد عن صخب المدينة.


ناصح علي خيّاط: مصور صحفي

ترجمة: إسماعيل خالد گلالي


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved