استثمار الطاقة في كوردستان يعزز استقرار العراق
استثمار الطاقة في كوردستان يعزز استقرار العراق
September 21, 2025

تواجه الصناعة النفطية في إقليم كوردستان العراق تحديات متعددة الأبعاد تهدد استقرار هذا القطاع الحيوي، في ظل تصاعد التوترات الأمنية التي طالت الحقول النفطية الرئيسية، والخلافات السياسية المستمرة بين أربيل وبغداد حول إدارة الثروة النفطية. هذه التطورات تأتي في وقت يشهد فيه القطاع فرصاً استثمارية هائلة لم تُستغل بعد، خاصة في مجالي الغاز الطبيعي والصناعات البتروكيميائية، بينما تتزايد الحاجة لإعادة تقييم الاحتياطيات النفطية بمعايير علمية دقيقة.

في حوارين حصريين مع مجلة «كوردستان بالعربي»، كشف كل من الدكتور حمدي سنجاري، نائب مدير عام شركة «سومو» الوطنية للنفط، والدكتور گوفند حسين شيرواني، الأكاديمي والخبير النفطي، عن الواقع المعقد لهذا القطاع الاستراتيجي والحلول المطلوبة لضمان استدامته.

قدم الخبير النفطي الدكتور گوفند حسين شيرواني رؤية استراتيجية طموحة للقطاع النفطي العراقي، مؤكداً أن دمج احتياطات إقليم كوردستان مع الاحتياطات العراقية يمكن أن يضع العراق في المرتبة الخامسة عالمياً من حيث الاحتياطات النفطية المؤكدة.

وكشف شيرواني أن «العمل الذي حصل في قطاع النفط والغاز في الإقليم يمكن اعتباره مكملاً لما أجري في العراق في العقود الماضية، والاحتياطات التي اكتشفت في الإقليم من قبل الشركات النفطية المتعاقدة هي داعمة ومكملة للاحتياطات المثبتة في أنحاء العراق».

وأضاف شيرواني قائلا: «إذا جمعنا احتياط النفط في العراق والإقليم فسيتجاوز 150 مليار برميل، وهذا الرقم يجعل العراق صاحب خامس أكبر احتياطي في العالم»، مؤكداً أن «هذا الاحتياطي يمكن أن يستثمر أو ينتج لفترة تزيد على 100 عام، وهو أكبر عمر تشغيلي بين جميع أعضاء منظمة أوبك».

وشدد الخبير النفطي على ضرورة النظر إلى الثروات النفطية والغازية من منظور شامل، قائلاً: «يجب أن ينظر إلى ثروة النفط والغاز، وهي ثروات هيدروكربونية، على أنها بشكل إجمالي لكل العراق، وذلك بحسب المادة 111 من الدستور التي تنص على أن النفط والغاز ملك للشعب العراقي يكون للأقاليم والمحافظات، وبالتالي هي ملكية للشعب العراقي».

الهجمات تهدد الإنتاج

شهدت الحقول النفطية في إقليم كوردستان هجمات متكررة بطائرات مسيرة استهدفت منشآت حيوية، مما أثر بشكل مباشر على مستويات الإنتاج. وشملت الحقول المتضررة جراء الهجمات، حقل شيخان الذي ينتج نحو 40 ألف برميل يومياً، وحقل طاوكي بإنتاج 29 ألف برميل يومياً، وحقل فيشخابور الذي ينتج 49-54 ألف برميل يومياً، بالإضافة إلى حقل خورمالا الأكبر الذي ينتج 90-100 ألف برميل يومياً، وحقل سرسنك بطاقة 30 ألف برميل يومياً. هذه الهجمات أدت إلى تعليق الإنتاج مؤقتاً في معظم هذه المواقع.

علاقات متأرجحة 

رغم الجهود المبذولة للوصول إلى تسويات بشأن الملف النفطي، تبقى العلاقات بين حكومة الإقليم والحكومة الفيدرالية معقدة ومتقلبة. وقد وصف الدكتور سنجاري هذه العلاقات بأنها تشهد «صعوداً وهبوطاً، تتأرجح أحياناً نحو الحلول وأخرى نحو التعقيد»، مشيراً إلى أنه «بعد التوقيع على الاتفاق، برزت مناقشات ومشكلات إضافية تتعلق بعدم الفهم للمواضيع الفنية، إضافة إلى العامل السياسي الذي لعب دوراً في الموضوع».

يكمن الخلاف الجوهري في فهم طبيعة النظام السياسي العراقي وانعكاساته على إدارة الثروة النفطية، حيث انتقد سنجاري «تركيز الجانب الاتحادي على كلمة المركزية علماً أن العراق ليس فيه مركزية وإنما هو عراق اتحادي ديمقراطي فيدرالي». وأكد أن الحل الجذري يتمثل في وضع قانون النفط والغاز، مشيراً إلى أنه «كان هنالك قانون نفط وغاز في الإقليم عام 2007، ولكن لم يتم العمل به بسبب خلافات قانونية ودستورية مع الحكومة الاتحادية».

من جانبه، انتقد شيرواني المواقف السلبية من بعض المؤسسات الاتحادية تجاه مشاريع الإقليم النفطية، قائلاً: «إذا نظرنا إلى الإقليم كجزء لا يتجزأ من العراق وجزء فيدرالي مكمل للعراق مع بعض الخصوصية التي يعطيها له الدستور، يجب أن تكون وزارة النفط داعمة لكل المشاريع النفطية في الإقليم». ويؤكد أن تقديم الدعم يجب أن يشمل مشاركة خبراتها المتراكمة عبر 70 أو 80 عاماً للإقليم لتنمية هذه الثروات النفطية، و«أن لا تلجأ إلى اتخاذ مواقف سلبية أو تسجيل دعاوى من هذا النوع لأنه مضيعة للوقت وفيه ازدواجية وتناقض».

وتساءل بحدة: «من غير المنطقي أن أجزاء من الوطن الواحد تسجل دعاوى على الجزء الآخر، يفترض أن يكون مكملاً وداعماً له».

الصورة: سفين حميد

 

خط كركوك ـ جيهان داعم للعراق

يواجه العراق تحدياً إضافياً يتعلق بإعادة التفاوض حول اتفاقيات نقل النفط عبر تركيا، إذ كشف الدكتور سنجاري أن «الأتراك قرروا إيقاف العمل بالاتفاقية والدخول في المفاوضات وتعديل الاتفاقية»، في حين أن الاتفاقية الحالية كان من المفروض أن تنتهي في يوليو 2026. وأوضح أن شبكة الأنابيب التي تربط العراق بتركيا تطورت عبر عقود، حيث تم إنشاء الأنبوب الأول بحجم 40 بوصة عام 1973، وفي عام 1984 أصبح هناك أنبوبان بحجم 46 بوصة.

أشار شيرواني إلى أهمية أنبوب نفط كركوك - جيهان كخط استراتيجي للصادرات النفطية العراقية، موضحاً أن «الأنبوب كان ينقل سابقاً 400 ألف برميل لكن من الممكن أن ينقل الآن حوالي مليون برميل يومياً، وسيكون داعماً للعراق في حال إطلاق كميات الإنتاجية من قبل أوبك وأوبك بلس».

حل أزمة الكهرباء

على صعيد الغاز الطبيعي، قدم شيرواني أرقاماً مبشرة، موضحاً أن «الاحتياطي العراقي للغاز الطبيعي هو 127 تريليون قدم مكعب، والعراق بهذا الاحتياطي يكون في المرتبة الحادية عشر على مستوى العالم، ومن الممكن أن ترتفع إلى المرتبة التاسعة مع تطور استكشاف واستثمار الغاز الطبيعي في مناطق الإقليم الأخرى».

وأشار إلى النجاحات المحققة في الإقليم، قائلاً: «خلال سنوات قصيرة وصل إنتاج الغاز الطبيعي فقط في حقلين إلى أكثر من 600 مليون قدم مكعب في اليوم الواحد، وهذا رقم جيد وبوسعه أن يغطي 80% من حاجة الإقليم للطاقة الكهربائية».

وأكد الخبير النفطي أن الغاز الطبيعي يحمل الحل لأزمة الكهرباء المزمنة في العراق، مؤكداً أن «للغاز الطبيعي إمكانات واعدة مستقبلاً والتي يمكن أن تحل بشكل كبير مشكلة الكهرباء في العراق الفيدرالي».

وتوقع أن «في غضون ثلاث أو أربع سنوات يصبح العراق مصدراً للغاز الطبيعي إلى الأسواق الأوروبية، وبالتالي ستدر هذه الإيرادات مبالغ إضافية للخزانة العامة وتدعم الاقتصاد العراقي».

فرص استثمارية ضخمة

ورغم التحديات، يحمل القطاع النفطي في إقليم كوردستان فرصاً استثمارية ضخمة. وكشف الدكتور شيرواني عن وجود «قدرات متاحة وخاصة في الغاز الطبيعي، حيث تم توقيع عقدين لاستثمار الغاز في حقلين في السليمانية من قبل شركتين أمريكيتين، وقد تجاوزت قيمة العقدين 100 مليار دولار».

وسلط الضوء على إمكانيات قطاع التكرير، موضحاً أنه «توجد مجالات أخرى استثمارية يمكن بالتنسيق مع الحكومة الاتحادية استغلال القدرات الفائضة للمصافي الموجودة في الإقليم»، مشيراً إلى أن «القدرة تتجاوز 260 ألف برميل، في حين أن الحاجة لا تتجاوز خمسين إلى ستين ألف برميل يومياً».

كما أكد شيرواني على ضرورة إقامة مشاريع بتروكيميائية في العراق للاستفادة من جميع مكونات النفط وخاصة الأجزاء الثقيلة منها، مما يسهم بشكل فعال في قطاع الصناعات البتروكيميائية وهي غير متوفرة في كل العراق.

وختم شيرواني حديثه بالتأكيد على أن «أغلب الدول المتطورة تدمج المصافي والمعامل في مجمع واحد، حيث يدخل الخام فيتحول جزء منه إلى وقود والجزء الثقيل يحوّل إلى منتجات بتروكيميائية للاستفادة من كل غرام خام».


رياض الحمداني: صحفي ومؤلف عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية



X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved