بغداد تتجاهل التزاماتها تجاه أربيل
بغداد تتجاهل التزاماتها تجاه أربيل

الخلافات بين بغداد وأربيل والمشكلات العالقة بينهما لم تقتصر على ملفي النفط والمالية والمناطق المتنازع عليها، بل اتخذت خلال السنوات الماضية منحى إنسانياً، تمثل في حرمان إقليم كوردستان من الأدوية والمستلزمات الطبية ولقاحات الأطفال، وغياب العدالة في التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة وسجناء النظام السابق، فضلاً عن تهميش قطاعات حيوية مثل الزراعة والصناعة.

ولم يقتصر التأثير السلبي على قطع ميزانية الإقليم ورواتب موظفيه أو تأخيره منذ عام 2014، ولا على إيقاف تصدير نفطه في 2023، بل ــ وفقاً لمسؤولين في كوردستان ــ اتسعت الضغوط التي تمارسها جهات متنفذة في بغداد لتطال ملفات أكثر حساسية تمس حياة المواطنين، كالأدوية، وحقوق ذوي الشهداء والسجناء السياسيين، وقطاعي الزراعة والصناعة، بهدف إقصاء كوردستان عن مسار التنمية العمرانية والبشرية الذي شهدته منذ مطلع الألفية.

من بناء الدولة إلى منطق «المزرعة»

منذ إسقاط النظام السابق عام 2003، سعى إقليم كوردستان، بشبه استقلاله، إلى المساهمة في تأسيس العراق الجديد، مستخدماً كل إمكاناته الأمنية والعسكرية والبشرية، في سبيل استتباب الأمن، وكسب تأييد المجتمع الدولي للنظام السياسي الجديد. 

إلا أن السلطات العراقية، وبعد أن استعادت عافيتها، بدأت تتعامل مع كوردستان بمنطق القوة والإدارة المركزية، فيما يشبه «إدارة المزرعة»، وهو ما تسبب في مظالم متراكمة بحق الإقليم.

الجور يطال أدوية المرضى ولقاحات الأطفال

بعيداً عن الملفات السياسية، ورغم استضافة الإقليم لمئات الآلاف من النازحين واللاجئين، وعلاج عشرات الآلاف من مرضى وسط وجنوب العراق في مستشفياته، يعاني إقليم كوردستان من تهميش واضح في الملف الصحي، وهو ملف إنساني في المقام الأول.

ويقول وزير الصحة في حكومة الإقليم، سامان البرزنجي، لمجلة «كوردستان بالعربي»: «رغم كثرة المراجعات والوعود لحل هذه الإشكاليات، فإن الإقليم لم يتلقَ حتى الآن دعماً حقيقياً من بغداد في القطاع الصحي».

وأضاف البرزنجي: «بحسب قانون الموازنة، تُخصص 12% من حصة الإقليم فيها للأدوية والمستلزمات الصحية، إلا أن ما يصلنا فعلياً لا يتجاوز 55% من هذه النسبة في أفضل الأحوال، وتتحمل حكومة الإقليم عبء تغطية العجز».

وأشار إلى أن بغداد لا تزود كوردستان بالأجهزة والمستلزمات الصحية، خصوصاً تلك التي تُستورد عبر الاتفاقيات الدولية، ما يضاعف من الأعباء المالية على الإقليم.

وأكد البرزنجي أن 40% من مراجعي مستشفيات الإقليم هم من سكان وسط وجنوب العراق، بينما لا تتجاوز حصة الإقليم من مستلزمات معالجة السرطان 20%. وتتحمل حكومة كوردستان مسؤولية تغطية النقص، رغم أن هذه المواد تُصنف كمستلزمات إنسانية لا يجوز التعامل معها بسياسة الإقصاء.

أما بشأن الأدوية المخصصة للأمراض المزمنة، فإن الكميات التي تصل من بغداد لا تكفي حتى لمرضى مخيمات اللاجئين والنازحين.

وفي ما يتعلق بمدينة حلبجة، أوضح البرزنجي أنها لا تُعامل كمحافظة، وتُؤمَّن حصتها من الأدوية من مخصصات محافظات كوردستان الأخرى، وهو ما يعكس تمييزاً واضحاً.

واستذكر البرزنجي استنزاف مراكز ومستشفيات الإقليم خلال عمليات تحرير الموصل، وقال: «كثير من مؤسساتنا الصحية تضررت بسبب العدد الكبير من الجرحى، ولم تعوّضها الحكومة العراقية بأي شكل، رغم أننا خصصنا 24 سيارة إسعاف نقلت آلاف الجرحى إلى أربيل، ولم نتلقَ أي دعم مقابل ذلك».

كما أشار إلى حرمان الأطباء والعاملين في القطاع الصحي بالإقليم من الدورات التدريبية الداخلية والخارجية، وكذلك من برامج الزمالات والتلقيحات الخاصة بالأطفال.

رواتب وامتيازات السجناء السياسيين وورثة الشهداء

أما وزارة الشهداء وشؤون المؤنفلين في حكومة إقليم كوردستان، فإنها تشكو من تمييز واضح من قبل السلطات الاتحادية، سواء في الرواتب أو الامتيازات الممنوحة للسجناء السياسيين وذوي الشهداء.

ويقول مدير عام شؤون الخدمات في الوزارة أحمد مام رسول لمجلة «كوردستان بالعربي»: «منذ سنوات نطالب بتعديل قانوني مؤسسة السجناء السياسيين ومؤسسة الشهداء، لرفع الحيف عن السجناء وورثة الشهداء في كوردستان، لكن لم يُنفذ أي من تلك المطالب حتى الآن، لأسباب سياسية ومالية بحتة».

وأضاف رسول أن عدد السجناء والمعتقلين السياسيين في الإقليم يبلغ 25,807 أشخاص، معظمهم من ضحايا النظام السابق، يتقاضى كل منهم منحة شهرية تتراوح بين 250 و500 ألف دينار، في حين يحصل نظراؤهم في باقي المحافظات على رواتب تتراوح بين 800 ألف ومليون و200 ألف دينار. وتابع: «أما ورثة الشهداء، البالغ عددهم حوالي 86 ألفاً، من بينهم ضحايا حلبجة والمؤنفلين، فهم أيضاً محرومون من الامتيازات التي يحصل عليها نظراؤهم في المحافظات الأخرى».

ورغم توصل حكومة الإقليم، في عام 2018، إلى اتفاق مع بغداد لتوحيد الرواتب والمنح، لكنه لم يُطبق حتى الآن، و«ما زالت الفجوة كبيرة؛ حيث يحصل ذوو الشهداء في بغداد على ما لا يقل عن مليون و200 ألف دينار شهرياً، بينما يتقاضى نظراؤهم في كوردستان بين 250 و500 ألف دينار فقط».

إقصاء العوائل المتعففة وذوي الاحتياجات الخاصة

ومن الملفات الإنسانية المتأثرة بالخلافات السياسية، ملف العوائل المتعففة وذوي الاحتياجات الخاصة، حيث انعكست الأزمة سلباً على قوتهم اليومي وأوضاعهم المعيشية.

وقالت وكيلة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في حكومة كوردستان، زكية سيد صالح، لمجلة «كوردستان بالعربي» إن «الخلافات مع بغداد ألقت بظلالها على هذين الملفين، حيث لا تُعامل العوائل المتعففة وذوو الاحتياجات الخاصة في كوردستان أسوة بنظرائهم في باقي المحافظات، بسبب عدم اعتبارهم مواطنين كاملي الحقوق ضمن الدولة العراقية».

وأضافت صالح أن أكثر من 205 آلاف عائلة مشمولة برواتب شبكة الحماية الاجتماعية، توقفت منحها بسبب قطع الميزانية عام 2014، ولا تزال بغداد ترفض إدراجهم في قوائمها لاستئناف المنح.

وبحسب بيانات الوزارة، كانت هذه العوائل تتقاضى بين 250 إلى 400 ألف دينار شهرياً، في حين أن الرواتب في بغداد والمحافظات الأخرى أعلى بكثير.

أما ذوو الاحتياجات الخاصة، وعددهم 13,121 شخصاً، فيتقاضون بين 100 و150 ألف دينار شهرياً، وهي مبالغ لا تكفي لتغطية الحد الأدنى من احتياجاتهم.

وأكدت صالح أن حكومة الإقليم عاجزة حالياً عن زيادة هذه المنح بسبب الأزمة المالية، وتوقف تصدير النفط إثر قرار محكمة باريس، وهو ما ضاعف من التحديات الاقتصادية التي يواجهها الإقليم.


هيمن بابان رحيم: صحفي عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية




X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved