شهدت مدينة الكوت جنوبي بغداد، منتصف شهر تموز / يوليو 2025، حادثة مؤلمة راح ضحيتها 61 شخصاً، إضافة إلى عشرات الإصابات، بعد أن التهمت النيران مبنى «هايبر ماركت» التجاري، الواقع على ضفاف نهر دجلة في منطقة تزدحم بالأحياء السكنية المتلاصقة. ورغم أن وزارة الصحة العراقية أعلنت عدد الضحايا، إلا أن شهوداً على الحادثة أكدوا أن العدد أكبر من ذلك، إضافة إلى الجثث المتفحمة التي تم إرسالها إلى بغداد لتخضع لفحص الحمض النووي.
مجلة «كوردستان بالعربي» التقت أحد الناجين من الحريق، الذي شرح تفاصيل ما جرى: «بدأت النيران تشتعل في الطابق الثاني المخصص لبيع العطور ثم انتشرت، فصعدنا إلى الطابق الثالث، وتزامن صعودنا مع انقطاع التيار الكهربائي، مما سبّب الإرباك للجميع، فصعدنا إلى الطابق الرابع ثم الخامس، لكن النيران حاصرت الناس من كل جانب، منهم من اختبأ في المرافق الصحية، ومنهم من استقل المصاعد. وما زاد الأمر تعقيداً هو غياب وسائل الإطفاء وافتقار المبنى لشروط السلامة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع عدد الضحايا».
وتقول ناجية أخرى من الحريق، إن «عدد الضحايا كان كبيراً لأن العمّال داخل المبنى منعوا الناس من الخروج قبل دفع فواتير مشترياتهم، بل أجبروهم على الصعود إلى الطابق الثالث بحجة أنهم سيطروا على الحريق. فلو أنهم سمحوا للجميع بالخروج لما كان أثر هذه الكارثة مفجعاً».
عائلة كاملة ضحية النيران
وما جعل حادثة حريق الكوت مفجعة، هي وفاة عائلات بأكملها كانت تتسوق داخل مبنى هايبر التجاري، منهم عائلة المهندس علي محمود العمار. عن ذلك يقول الصديق المقرّب للعائلة باقر مقداد لمجلة «كوردستان بالعربي»: «صديقي علي محمود العمار كان برفقة والدته السيدة ناهدة وزوجته زينب الغرباوي وابنته زينب، 5 سنوات ونصف، وابنه جواد، 3 سنوات، وابنة خالته زينب وأخوها جعفر وخادمتهم الأوغندية شميم».
ويحكي مقداد تفاصيل الحريق: «عندما شاهد علي النيران تشتعل في الطابق الثاني ركض إلى عائلته، فحاولوا الخروج، لكنهم عجزوا عن ذلك بعد أن حاصرتهم النيران من كل اتجاه، فتوجهوا إلى الحمامات حيث لقوا حتفهم خنقاً».
الموقف الرسمي
صرّحت دائرة صحة واسط لـ«كوردستان بالعربي»، بأنه تم إرسال 20 سيارة إسعاف إلى مكان الحادث، وإنقاذ 25 مصاباً ومعالجة بعضهم ميدانياً، فيما نُقل آخرون إلى المستشفى للعلاج، وتم نقل الضحايا إلى الطب العدلي عن طريق سيارات الإسعاف بالتعاون مع الأهالي. الحصيلة النهائية لضحايا حريق الكوت 61 شخصاً، من بينهم 43 معلومة هوياتهم و42 منهم عراقيون، ومواطنة بنغلاديشية و18 آخرون لم يتم التعرف على هوياتهم.
أما أحمد الشمري، أحد الشهود العيان، فيتحدث عن حضور الجهات الرسمية ومساهمتها في مرحلة الإنقاذ والإطفاء، قائلاً: «عند وصولي إلى مكان الحادث، لم تسمح الشرطة لذوي الضحايا بالدخول إلى المبنى. ورأيتُ سيارة إطفاء واحدة فقط، كانت هنالك أيضاً رافعة تعود لأحد المقاولين المدنيين، قام صاحبها بإنقاذ العديد من الأرواح بواسطتها ممن كانوا على سطح المبنى».
الموقف الشعبي
وبعد حريق الكوت، عادت النخب العراقية للمطالبة بمحاسبة الفاسدين والقضاء على ظاهرة الرشوة والمحسوبيات. يقول القانوني مهند القريشي، إن السبب الرئيسي للحريق هو الإهمال وغياب وسائل الإطفاء، وعدم تجهيز المباني العامة بأدوات الحماية من الحرائق، إضافة إلى انتشار ظاهرة الرشوة والفساد المالي والإداري، إذ يتم البناء بلا موافقات رسمية أو تطبيق إجراءات السلامة. لذا، فإنه لا بد من القضاء على هذه الظاهرة والاستعانة بالمهندسين الشرفاء من أبناء العراق.
وأدت حادثة حريق الكوت إلى صدمة لدى المجتمع العراقي، نتيجة لعدد الضحايا الكبير الذين فقدوا حياتهم فقط لأنهم قرروا التسوّق من مول تجاري. وتقول المختصة بعلم النفس والمدرّسة في كلية الإمام الكاظم الدكتورة مريم البدري: «تؤدي هذه الحوادث غالباً إلى إصابة الفرد بمتلازمة عقدة الأماكن المتشابهة، وقد تُسببُ صدمة للأطفال تظل معهم طوال حياتهم».
وأدت هذه الحادثة إلى موجة من الحزن والغضب في الشارع العراقي، وخرج أهالي مدينة الكوت مع ذوي الضحايا في مظاهرات سلمية، واعتصموا أمام مجلس محافظة واسط مطالبين بإقالة المحافظ والتحقيق في أسباب الحريق وإظهار النتائج ومعاقبة المقصرين. وعلى إثرها، استقال محافظ واسط محمد المياحي ليتسلم المنصب هادي مجيد كزار الهماشي بديلاً عنه.
تزامناً مع حريق الكوت، أعلنت حكومة إقليم كوردستان استعداد مستشفيات الإقليم لاستقبال المصابين والجرحى وتقديم الرعاية الطبية اللازمة لهم.
وفي إطار التضامن مع الضحايا، شهدت محافظة أربيل وقفة تضامنية تعبيراً عن مواساة أهالي الضحايا في هذه الكارثة.
حسين جنكير: شاعر وكاتب مسرحي