«سەرکۆ» تحدى الإعاقة ويساند المعاقين
«سەرکۆ» تحدى الإعاقة ويساند المعاقين

في أقصى الشرق، قرب الحدود العراقية – الإيرانية في إقليم كوردستان، يعمل سَركو، مستعيناً بطرفيه الصناعيين، إلى جانب فريق من المتطوعين، على توفير الكراسي والأطراف الصناعية للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة. 

هذا المشروع الإنساني المدعوم من الخيّرين، غيّر حياة أكثر من 40 ألف شخص، معيداً الثقة للأطفال، ودافعاً بالمئات منهم للعودة إلى مقاعد الدراسة بعد انقطاعهم عنها.

حادث سير.. بداية التحول

بشغف، قطعنا قرابة 300 كيلومتر من أربيل إلى مدينة حلبجة لنروي قصة سَركو رحيم، رئيس منظمة «نحو حياة جديدة للأطفال».

اسمه وفريقه أصبحا ملاك رحمة يمشون على الأرض، إذ يخففون من معاناة آلاف العائلات الفقيرة، التي تضم أفراداً يعانون من الإعاقة أو الشلل الدماغي.

سَركو، البالغ من العمر 54 عاماً، يتنقل بين مدن الإقليم والمحافظات العراقية وحتى خارج البلاد، جامعاً التبرعات من جهات مانحة ومنظمات محلية ودولية، خاصة الأمريكية منها، لرسم الابتسامة على وجوه المحتاجين. قصته الشخصية مؤثرة للغاية؛ إذ تحوّل حادث سير قبل أكثر من 31 عاماً إلى نقطة انطلاق لمسيرة إنسانية عظيمة.

ويقول في حديث لمجلة «كوردستان بالعربي»: «في طفولتي، كنت مولعاً بكرة القدم، وكان تسجيل الأهداف يسعدني. لكن تاريخ السابع من سبتمبر 1994 غيّر حياتي، إذ تعرضت لحادث سير فقدت على إثره ساقيّ. لم أُبلّغ بذلك إلا بعد شهرين، وبالصدفة، على يد رجل مسن في المستشفى».

كان مع 20 راكباً في حافلة صغيرة متوجهين من حلبجة إلى السليمانية، فاصطدمت بهم شاحنة كبيرة من الخلف، ما أدى إلى وفاة سبعة ركاب وبتر ساقيّ سَركو. «قيل إنني من بين المتوفين أيضاً، وحُفر قبري بالفعل، لولا أن عطشي أنقذني من الموت، إذ تحركت قبل تغسيلي ودفني».

وحين دخلت قاعة العلاج بعد أيام، ورأيت حالات أسوأ من حالتي، شكرت الله، و«قلت لنفسي: كن قوياً يا سَركو. يجب أن تتأقلم».

من الأردن إلى أمريكا.. رحلة تعلُّم وخدمة

بعد الحادث، قرر سَركو السفر إلى الأردن عام 1999، حيث أمضى ثلاث سنوات تعلم فيها العربية والإنجليزية، وحصل على أطراف صناعية بدعم من أجانب تعرف عليهم هناك.

وأسس لاحقاً مركزاً لتعليم اللغات والحاسوب لأبناء الجالية الكوردية، ثم سافر إلى الولايات المتحدة، وعاد عام 2007 ليستقر مجدداً في كوردستان.

منذ ذلك الحين، بدأ بتقديم خدماته للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة. يقول: «نحن لا نميّز في خدماتنا بين أتباع دين أو طائفة أو قومية. بل نخدم الجميع».

وتقدم المنظمة، التي انطلقت بتوفير 20 كرسياً فقط، إلى أن وصل اليوم عدد المستفيدين منها إلى أكثر من 40 ألف شخص، أنواعاً مختلفة من الكراسي، وهي لمصابي شلل الدماغ، وللأطفال الذين لا يستطيعون الجلوس، ولمساندة ذوي الاحتياجات الخاصة للوقوف، وللمساندة في المشي، تتراوح أسعارها بين 500 و1700 دولار، ممولة من جهات خيرية، وتُمنح مجاناً للمحتاجين، إلى جانب الأطراف الصناعية المرتفعة التكلفة.

ويشير سَركو، الذي أعادت جهوده - مع رفاقه الـ12 - الثقة للكثيرين وأسهمت في دمجهم في المجتمع رغم الصعوبات، حيث أن نحو 235 طفلاً عادوا للمدارس خلال العام الدراسي 2024 - 2025، بفضل الدعم المقدم.

ويؤكد منسق التوصيات الدولية في حكومة الإقليم ديندار زيباري، لمجلة «كوردستان بالعربي» أن «هناك 10,366 طالباً من ذوي الاحتياجات الخاصة في مدارس كوردستان، و704 آخرين في معاهد تابعة لوزارة العمل».

من بيجي إلى حلبجة.. نور أمل

تحوّلت حلبجة إلى المحافظة التاسعة عشرة في العراق بموجب قرار مجلس النواب العراقي في نيسان 2025، وهي تُعد من أشهر المدن في كوردستان والعراق عموماً. فقد تعرّضت المدينة للقصف بالأسلحة الكيميائية عام 1988 على يد نظام صدام حسين، مما أكسبها لقب «هيروشيما كوردستان» أو «هيروشيما العراق». وبفضل موقعها الجغرافي، تُعد من أبرز المناطق السياحية في البلاد.

لكن ما زاد من شهرتها مؤخراً هو نشاط سَركو، إذ بات الكثيرون من مختلف المحافظات العراقية يزورونها لأول مرة، لوقوع المقر الرئيسي لمنظمته فيها، إلى جانب مكتبين آخرين في كل من السليمانية وأربيل.

شروق، الطفلة ذات الستة أعوام من قضاء بيجي، عانت من التنمّر والانطواء، لكن والدها وائل يقول إن حساب المنظمة على تيك توك كان طوق النجاة. ويضيف: «عند الولادة كانت شروق تعاني من تشوّهات خلقية جسدية، مما اضطر الأطباء إلى بتر ساقيها من فوق الركبة. أما الطرفان الصناعيان، فقد ساهما - بحسب والدها - في مساعدتها على المشي داخل المنزل كمرحلة أولى. وهي الآن تنتظر افتتاح العام الدراسي 2025 - 2026 لتبدأ عامها الدراسي الأول.

ويستدرك والدها قائلاً: «على الرغم من أن المنظمة وخدماتها الممتازة أفادتنا كثيراً، لكننا ما زلنا، بسبب طبيعة المجتمع، نعاني من التنمر. نحاول جاهدين تجاوز هذه المرحلة، بعدما أعادت المنظمة الثقة لابنتنا».

أما نهرو محمد من قرية كريزة في السليمانية، فيقول: «كنت أحلم بكرسي متحرك منذ سنوات، والآن حصلت عليه. شكراً للمنظمة التي أنقذتني».

التشريعات والدعم الرسمي

أقر برلمان كوردستان القانون رقم (22) عام 2011 لدعم المعاقين، بينما تشير وكيلة وزارة العمل، زكية سيد صالح، إلى أن أكثر من 87 ألف شخص يتقاضون رواتب، فيما لا يزال نحو 14 ألفاً بلا دعم مالي، وتقول إن «إقليم كوردستان يمرّ بظروف مالية صعبة، لكن وجود منظمات إنسانية وخيرين مثل سَركو ومنظمة (نحو حياة جديدة للأطفال)، خفّف كثيراً من العبء على الحكومة. نحن ممتنون لهم على عطائهم المستمر وجهودهم الكبيرة التي أحدثت فرقاً حقيقياً في حياة ذوي الاحتياجات الخاصة».

قصة نجاح مميزة

سَركو متزوج وأب لسارو وسارونا. هو ليس الوحيد في ميدان الخدمة الإنسانية، لكنه قصة نجاح مميزة. يقول: «نحن نقدم خدماتنا من دون تمييز. من يحتاجنا سنلبي نداءه، وسنبذل كل جهد لنا».

ويختم بتأثر: «أمي كانت عكازي الحقيقي. بعد أن فقدت ساقيّ ووقعت ذات يوم، رفعتني وقالت: سأكون عكازك.. وقد كانت كذلك فعلاً».


هيمن بابان رحيم: صحفي عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية

 


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved