بحريةٍ مُطلقة تركض إيلان مع زميلاتها في صالة نادي آكاد عينكاوا الرياضي لكرة السلة في أربيل، معلنةً كسر القيود التي لطالما كبّلت أجساد النساء ورسمت لهن صوراً نمطية وأحكاماً مسبقة حصرتهن في دور الأم والزوجة، ومنعت عنهن عوالم أخرى من التجارب والنجاحات. لتقول للعالم: «أنا رياضية تعشق الكرة».
التحديات المادية
رغم التحديات التي تواجه كرة السلة في العراق، مازالت الشابة إيلان فتح عبد الله تنظر بإيجابية للمستقبل، تقول لمجلة «كوردستان بالعربي»: «جئت من مدينة السليمانية إلى أربيل منذ نحو 4 أعوام، لأنضم لفريق سيدات آكاد لكرة السلة، أمارس الرياضة منذ أن كنت في الـ14 من عمري». وتضيف إيلان أنها أكملت عامها الـ26، «لكن رغم ذلك لم تساعدني الرياضة على التقدم في مسار حياتي المهنية... فليس لدينا دخل شهري، ولا يتم ترشيحنا لتمثيل العراق في البطولات الدولية، ونلاحظ غياب الدعم لرياضة كرة السلة للسيدات وللرياضة النسوية بشكل عام». وتقول إيلان إنها وزملاءها يتدربن يومياً لمدة ساعتين، ولولا أن إدارة نادي آكاد الرياضي تمنحهن مرتبات بسيطة لما استطعن على الاستمرار في التدريب حتى ليوم واحد، بينما الاتحاد الرياضي العراقي الذي هن جزء منه لا يقدم أي دعم.
تعود إيلان بذاكرتها إلى عام 2018، عندما سافرت كلاعبة كرة سلة ضمن المنتخب العراقي الوطني للسيدات في كرة السلة، «خسرنا أمام المنتخب المصري ثم أمام المنتخب اللبناني. منذ ذلك الحين لم يتم ترشيح أسمائنا لتمثيل العراق في البطولات الدولية. ألقوا اللوم علينا لأننا نساء! بدلاً من تدريبنا وتشجيعنا على التعلّم من الخسارة. وبدلاً من دعمنا، قرروا إقصاءنا».
ولم تنس إيلان الحديث عن التحديات المجتمعية التي واجهتها خلال مسيرتها الرياضية، تقول: «رفضت عائلتي في البداية أن أمارس رياضة كرة السلة، طرحوا الكثير من النصائح، من مثل: أنتِ فتاة في النهاية ستتزوجين وتبنين عائلة! الرياضة ليست للنساء! لن تجدين فرصة عمل في هذا المجال! لكن إصراري على التدريب، وتحسّن صحتي النفسية والجسدية بسببه، أدى إلى تغيير نظرة عائلتي. اليوم الجميع يدعمني، لكنهم مازالوا عند رأيهم بأن الرياضة لن تكفل لي رغيف خبزي. لذلك أطالب الجهات المعنية بدعم الرياضة النسوية مادياً ومعنوياً».
رسالة إلى فتيات العالم
أما اللاعبة سولين جمال، التي أكملت عامها الـ42، لم تنقطع يوماً عن التدريب، فهي مازالت تحمل أملاً في داخلها أن الرياضة النسوية في العراق وإقليم كوردستان ستجد طريقها إلى العالمية. تقول: «أمارس رياضة كرة السلة منذ عام 1998. اليوم أتدرب أنا مع ابنتي التي أصبحت أيضاَ جزءاً من فريق سيدات آكاد لكرة السلة، نحتاج إلى الدعم ونأمل أن يصل صوتنا إلى الجهات المسؤولة».
وخلال مسيرتها الرياضية، حافظت سولين على وزنها موضحةً: «أستطيع القفز والركض بسرعة عالية، كما أن ممارسة تمارين اللياقة اليومية جعلت جسدي مرناً وحيوياً. وعلى المستوى النفسي تحررتُ من كل القيود المجتمعية المرتبطة بوزني وشكل جسدي وحركات يديّ ولباسي. أرتدي سراولاً قصيراً وقميصاً مكشوف الأكتاف، أركض بحرية تامة».
وتوجه سولين رسالة عبر مجلة «كوردستان بالعربي» إلى كل امرأة تحب الرياضة لكنها مازالت أسيرة لقيود المجتمع وعاداته، وتدعوهن: «لا تخافي، لا تترددي، لا تنصتي إلى الشائعات، الرياضة هي سر قوتك وجمالك وتصالحك مع جسدك ونفسك».
التحديات المجتمعية
ويشرف على فريق سيدات آكاد لكرة السلة، المدرّب صائب محمد، الذي يعمل مع النادي منذ عام 2019، يقول: «التعامل مع النساء يختلف عن الرجال، بسبب طبيعتهن الجسدية والنفسية. لذلك نقول دائماً إن هنالك تدريبات خاصة للنساء، ولدينا في الفريق لاعبات تفوّقن على الرجال بمهارات التعامل مع الكرة».
ويرى محمد، أن الرياضة النسوية مازالت تصطدم بعدة عوائق، في مقدمتها نظرة المجتمع للفتاة الرياضية، وما يرتبط بشخصيتها الرياضية، من ضرورة ارتداء اللباس الرياضي الذي يكشف عن ساقيها وكتفيها. وطبيعة اللعبة التي تتطلب القفز والركض أمام جمهور مختلط، يشرح الفكرة: «قبل عدة أعوام كانت معظم اللاعبات يرتدين الفيزون (بنطال مطاطي ضيق طويل) تحت السروال القصير أثناء التدريب، لإخفاء الساقين. أما الآن فالقليل منهن يفعلن ذلك، كما أن الجميع يعرف قواعد اللعبة، أنه في المباريات النهائية لابد من ارتداء اللباس الرسمي للفريق بلا أي إضافات».
ويؤكد محمد شكاوى اللاعبات، المتعلقة بقلة الدعم وغياب القوانين التي تنظّم الرياضة النسوية، خاصة رياضة كرة السلة للسيدات، يفصّلها قائلاً: «لا يمكن لرياضة كرة السلة للسيدات أن تتطور، إلا عندما يتم التعامل مع الفِرق النسائية كفرق الرجال تماماً، من حيث الرواتب والمباريات الخارجية، حيث يوجد دوري واحد فقط للسيدات في العام لا تتجاوز مدته 5 أيام. أما فِرق الرجال، فتشارك في أكثر من دوري، ويصل عدد المباريات التي تخوضها إلى أكثر من 50 مباراة في العام».
شائعات حول الرياضة النسوية
ولا يُخفي مُشرف فريق آكاد الرياضي مؤيد سلو شابو، قلقه على مستقبل اللاعبات، في حال لم يتم التدخل الرسمي لدعمهن والاعتراف بمهاراتهن وقدراتهن البدنية والرياضية. يقول: «يتكون الفريق من 12 لاعبة أصغرهن عمرها 15 عاماً وأكبرهن 42. جميعهن ملتزمات ومواظبات على التدريب اليومي، نقدم لهن بعض الدعم المادي، لكن ذلك لا يكفي. فلا بد للاتحاد الرياضي العراقي أن يلغي حالة الانحياز في اختيار الفِرق المؤهلة للمباريات الدولية على حساب فِرق أخرى، وأن تبقى السياسة بعيدة عن الرياضة لأنه كما نؤكد دائماً: «الرياضة تجمع والسياسة تفرّق».
ويرى شابو أن النظرة المجتمعية تجاه الرياضة النسوية، رغم تطورها عن السابق إلا أنها مازالت رجعية، وتحوم حولها الكثير من الشائعات التي تُخيف الفتاة وتمنعها من ممارسة الرياضات المختلفة. فمثلاً هناك شائعات تدّعي أن ممارسة الفتاة للرياضة تؤخر بلوغها أو تؤدي لانقطاع طمسها قبل أوانه، كما مازالت المجتمعات العربية تختصر المرأة في جسدها وتحكم عليها بناءً على شكلها أو ما كشفت منه، هذه الأقاويل تتعارض تماماً مع حقوق المرأة وحريتها في اختيار مسار حياتها، كما أنها تطمس حقيقة غاية في الأهمية وهي أن الرياضة مفيدة للمرأة أكثر من الرجل، لأن جسد المرأة يمر بمراحل متعددة، وجل ما تحتاجه صحتها هو ممارسة الرياضة».