في خطوة استراتيجية نحو تأسيس اقتصاد المعرفة، وضع مسرور بارزاني، رئيس حكومة إقليم كوردستان، حجر الأساس لحديقة العلوم التابعة لمعهد كوردستان للابتكار (KII) في أربيل، ليكون مركزًا علميًا وبحثيًا متكاملًا يجمع التعليم العالي وقطاع الأعمال والإدارة الحكومية ضمن بيئة واحدة محفّزة على الإبداع، وفق المفهوم العالمي للمجمعات البحثية المكثفة (Research-Intensive Clusters).
منظومة علمية على نموذج «الحلزون الثلاثي»
يهدف المشروع إلى إنشاء «مجمع العلوم» داخل معهد كوردستان للابتكار، وهو منظومة تجمع الأكاديميين ورواد الأعمال والمؤسسات الحكومية في مكان واحد لتبادل الخبرات وتطوير الأفكار وتحويلها إلى مشاريع وشركات ناشئة.
يستند المشروع إلى نموذج «تحالف الحلزون الثلاثي» الذي يربط الجامعة بالصناعة بالحكومة، وهو نموذج أثبت نجاحه في دعم الاقتصاد القائم على المعرفة في العديد من الدول المتقدمة. ويؤكد القائمون على المشروع أن الهدف الأساسي هو تحويل كوردستان إلى بيئة علمية واقتصادية مستدامة قادرة على احتضان الأفكار الجديدة وتسهيل نقل التكنولوجيا بين مراكز البحث وقطاع الإنتاج.
رؤية حكومية لاقتصاد المستقبل
انطلق المشروع رسمياً تحت رعاية بارزاني، في إطار مساعي الحكومة لتأسيس قاعدة علمية تدعم القطاعات الإنتاجية وتخلق فرص عمل قائمة على التكنولوجيا والمعرفة. ويُتوقع أن يسهم المشروع في تعزيز الاقتصاد الإقليمي الموجّه نحو المستقبل، وتطوير البنية التحتية البشرية عبر دعم رواد الأعمال والمبدعين الشباب.
عمارة مستوحاة من جبال كوردستان
يتميز المخطط المعماري للمجمع بتصميم فني يستوحي من طبيعة كوردستان الغنية بالجبال والوديان والتلال. ويصف المصممون الفكرة بأنها «ترجمة معمارية للهوية الكوردية» تجمع بين العظمة والحداثة والتجذر في الجغرافيا المحلية.
يقوم التصميم على ثلاث طبقات رمزية: الجبال التي تمثل مراكز العمل والبحث في مبانٍ شامخة بوسط الموقع تجسد القوة والطموح، والتلال التي تضم المساحات المشتركة مثل المطاعم وقاعات المؤتمرات والمختبرات، ثم الأنهار التي تنساب عبر المشروع كمسارات مائية تربط عناصره ببعضها، وتعمل على تجميع مياه الأمطار وإعادة تدويرها لري المساحات الخضراء.
ويؤكد المهندسون أن هذه المنظومة المعمارية «تحاكي دورة الحياة الطبيعية»، حيث تتدفق المياه من قمم الجبال إلى الوادي لتغذي النهر، في مشهد يجمع بين الجمال البيئي والوظيفة الهندسية.
ثلاث مراحل تنفيذية
يتكون المشروع من ثلاث مراحل رئيسية: تبدأ الأولى بإنشاء مبنى معهد كوردستان للابتكار في منتصف الموقع مع مساحات خضراء ومرافق خدمية وترفيهية، ثم توسيع المجمع في المرحلة الثانية بإضافة مبانٍ جديدة ومرائب سيارات ومناطق استقبال للزوار، لتنتهي المرحلة الثالثة باستكمال بقية «الجبال الثلاثة» لتكتمل الصورة النهائية للمشروع كمنظومة علمية متكاملة.
بنية تحتية علمية شاملة
يضم المشروع شبكة من القاعات والمختبرات والمرافق العامة المصممة لخدمة الباحثين والطلاب ورواد الأعمال، تشمل قاعة محاضرات تتسع لألف شخص للمؤتمرات والمعارض والفعاليات الكبرى، ومختبرات متخصصة في مجالات الهندسة والطباعة ثلاثية الأبعاد والإلكترونيات والنسيج، إلى جانب مكتبة مركزية حديثة ومطاعم ومقاهٍ ومساحات للاجتماعات المفتوحة.
كما تتضمن المرافق صالات لياقة بدنية وملاعب ومسبحًا بطول 50 متراً، ومجمعًا سكنيًا حديثًا يضم أكثر من 150 شقة استوديو للباحثين والزملاء المقيمين.
الاستدامة في صميم التصميم
يولي المشروع أهمية كبيرة لمعايير الاستدامة البيئية، حيث تغطي الأسطح ألواح شمسية لتوليد الطاقة، وصُممت الواجهات لتعكس أشعة الشمس صيفاً وتسمح بمرورها شتاءً لتوفير التهوية والتبريد الطبيعي. كما يهدف النظام البيئي للمشروع إلى إعادة تدوير المياه وإدارة الطاقة بكفاءة عالية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في التشغيل.
نافذة كوردستان نحو اقتصاد المعرفة
يُعد معهد كوردستان للابتكار رمزاً لعصر جديد من التنمية القائمة على المعرفة، إذ يجسد رؤية حكومة الإقليم في بناء مستقبل اقتصادي مستدام يعتمد على البحث العلمي والتكنولوجيا كركيزة أساسية للنمو.
ويقول القائمون على المشروع إن تصميم المجمع «ليس مجرد مبنى حديث، بل رسالة أمل وطموح لجيل جديد من الكورد المبدعين»، فهو يجمع روح الجبال الكوردية الشامخة مع الابتكار العلمي الحديث في مساحة واحدة تعكس هوية الإقليم وانفتاحه على العالم.
من المتوقع أن يصبح المعهد وجهة علمية إقليمية ومركز جذب للاستثمارات البحثية والتكنولوجية في العراق والمنطقة، ليكون شاهدًا على التحول من الاقتصاد التقليدي إلى اقتصاد المعرفة، ويربط العلم بالاقتصاد والفكرة بالتطبيق.