يعد إقليم كوردستان العراق من المناطق الغنية بالثروات المعدنية نظراً لموقعه الجيولوجي المتميز على الصفيحة التكتونية العربية، التي تصطدم مع الصفيحة الأوراسية في تصادم مستمر منذ ملايين السنين، ما أدى إلى تكوّن جبال شاهقة وظهور صخور نارية ومتحولة، وترسب العديد من المعادن الفلزية واللافلزية. ويتركز هذا التنوع المعدني في مناطق ﭘنجوين، وقلعة دزة، وﭼومان، حيث تحتوي الصخور على المعادن الفلزية بشكل رئيسي.
وعلى مدار العقود الماضية، شهد الإقليم جهوداً استكشافية متعددة، بدءاً من أعمال فردية بسيطة في ثلاثينات القرن الماضي، ثم توسعت لتشمل برامج منظمة نفذتها شركات دولية وهيئات عراقية، بهدف رسم الخرائط الجيولوجية وتوثيق الشواهد المعدنية ودراسة جدواها الاقتصادية.
تاريخ الاستكشاف المعدني وخطة الاستثمار
بدأت أعمال الاستكشاف المعدني في إقليم كوردستان العراق في الثلاثينات من القرن الماضي، إلا أن الأعمال المنظمة انطلقت بين عامي 1954 و1958، ونفذتها الشركة البريطانية Site Investigation Company، التي قامت برسم الخرائط الجيولوجية مؤشرةً عليها جميع الشواهد المعدنية في الإقليم، ووضعت تقاريرها في ست مجلدات موسومة بالرمز (K6 – K1) حيث يرمز الحرف (K) إلى كوردستان.
وفي عام 1961، نفذت البعثة السوفياتية أعمال الاستكشاف المعدني في مناطق محددة، شملت الحديد في أسناوة شرق ﭘنجوين ومنطقة ميشاو، والرصاص والخارصين شرق قلعة دزة، والرصاص والخارصين والحديد في دوري سرﮔوزة شمال العمادية ومنطقة كاني ماسي.
وفي عام 1972، بدأت شركة المعادن الوطنية العراقية التي تغير اسمها لاحقاً لتصبح (هيئة المسح الجيولوجي العراقية) بأعمال الاستكشاف المعدني المنظم لتغطية كافة مناطق العراق، واستطاعت اكتشاف العديد من المعادن الفلزية وغير الفلزية، بالإضافة إلى الصخور الصناعية. كما نفذت لجنة الطاقة الذرية العراقية (الملغاة) في منتصف السبعينات أعمال الاستكشاف للخامات المشعة، خاصة شرق قلعة دزة قرب قرية هلشو، وحددت بشكل أولي تواجد اليورانيوم والثوريوم بنسب عالية، إضافة إلى مناطق ﭽوارتة وﭼومان.
وفي شهر أيلول من عام 2019، أعلنت وزارة الثروات الطبيعية في إقليم كوردستان العراق عن خطة استثمارية طموحة للثروات المعدنية، وقسمتها إلى سبعة قواطع استثمارية، وقدمت 13 من كبرى الشركات التعدينية عروضها للاستثمار، إلا أنه لم يتم البت في موضوع الاستثمار حتى الآن.
وتعتمد المعلومات المتعلقة بالمعادن الفلزية واللافلزية والصخور الصناعية في جميع مناطق إقليم كوردستان العراق على تقارير موثقة موجودة في مكتبة هيئة المسح الجيولوجي العراقية في بغداد، بالإضافة إلى البحوث الجيولوجية المنشورة في المجلات العلمية وأطاريح الدراسات العليا. وتشكل المعادن الفلزية الأكثر شيوعاً في الإقليم، حيث تتوزع غالباً في المناطق الحدودية مع تركيا وإيران
المعادن الفلزية
يتركز معدن الحديد في منطقة أسناوة شرق ﭘنجوين، وهو المنجم الوحيد في الإقليم، حيث استخرج أحد السكان حوالي 300 ألف طن من معدن الماغنيتايت بطرق بدائية وبدون أي دراسة علمية، وقام بنصب وحدة لتكسير وغربلة الخام. ويتراوح سعر الخام بين 350 و1100 دولار أمريكي للطن حسب الجودة، كما توجد ترسبات إضافية في جنوب مدينة ﭘنجوين، ومنطقة ميشاو، وشمال مدينة ﭘنجوين، وقرية دوري سرﮔوزة شمال العمادية، بالإضافة إلى منطقة كاني ماسي.
أما معدن النحاس فيوجد في مناطق متعددة من إقليم كوردستان العراق، أهمها ماوت شمال السليمانية، حيث تراوحت نسب النحاس في الصخور بين أقل من 5 إلى 67140 جزء بالمليون (ppm). وفي عام 1990، حفرت هيئة المسح الجيولوجي العراقية بئراً استكشافياً في قرية واراز جنوب شرق ماوت، إلا أن العمل توقف عند عمق 270 متراً بسبب حرب الخليج الثانية عام 1991، ولم يتم استكمال تحديد الخام بالكامل، بينما أظهر اللباب المستخرج من البئر احتواءه على نسب مختلفة من النحاس في غالبية العينات.
ويوجد معدنا الرصاص والزنك غالباً معاً، وهما الأكثر شيوعاً في جميع أنحاء إقليم كوردستان العراق، وتعد أكثر المناطق الواعدة شرق قلعة دزة ومنطقة كاني ماسي، بالإضافة إلى زاخو، ورايات، وﭘنجوين. وقد درست هيئة المسح الجيولوجي العراقية خلال الفترة من 1972 إلى 1991 المعدنين بالتفصيل في مناطق مختلفة، منها شرق قلعة دزة (ماراپاستا، سي كوﭼيكا)، ودوري سرﮔوزة (17 كلم شمال غرب العمادية)، منطقة بارزانك (25 كلم شمال زاخو)، وآلاناش (24 كلم شرق زاخو)، حيث يقدر الاحتياطي الأولي للزنك والرصاص في منطقتي قلعة دزة ودوري سرﮔوزة بمئات آلاف الأطنان.
أما النيكل والكروم، فيتركزان معاً قرب ﭘنجوين، وماوت، وشرق قلعة دزة، وشرق راوندوز في جبل قلندر، ومنطقة رايات، مع كون الكرومايت الأكثر شيوعاً. وتتراوح نسب الكرومايت بين 34 و60 % في مناطق ﭘنجوين، وماوت، ورايات، وشمال جبل قلندر، وشمال قرية شتنة، فيما تصل نسبة الكروم في شمال جبل قلندر إلى 90 % من الحجم.
وبالنسبة للمعادن المشعة، فإن اليورانيوم والثوريوم يوجدان في شرق حلبجة، قرب قرية هلشو، وبشكل أقل جنوب ﭘنجوين، شرق راوندوز، قرب ﭼوارتة، وشرق زاخو. وسُجلت تراكيز عالية في مناطق عدة، منها جبل شاخه رَش (3500 درجة / ثانية)، وجبل ديبزة (5.5 كلم شمال قرية هلشو - 2700 درجة / ثانية)، ومنطقة كاني موييش (كلم واحد شمال شرق قرية بيلكو - 3000 درجة / ثانية، ما يعادل 513 جزءاً بالمليون يورانيوم و500 جزء بالمليون ثوريوم)، ووادي نيسي (3.5 كلم شمال شرق قرية هيرو شرق قلعة دزة: ثوريوم 10070 جزء بالمليون، يورانيوم 2640 جزءاً بالمليون).
المعادن اللافلزية
معدن البارايت الذي يوجد في إقليم كوردستان العراق بشكل رئيسي في مناطق شرق وشمال زاخو، ويشمل ذلك المناطق القريبة من قرية آلانش الواقعة على بعد 25 كيلومتراً شمال زاخو، بالإضافة إلى قرى برزانك، وبانيك، وشيرانش أسلام، وليفان، وأورا في منطقة كاني ماسي. أما معدن الأسبستوس فيتركز في مناطق ﭘنجوين، وﭼوارتة، وماوت قرب قرى ميراوة، وساراوة، وكورا داوي، ويمتد أيضاً إلى منطقة راوندوز بالقرب من قرى شتنة، وبابا كراو، وهيرو، لتشكل هذه المواقع شبكة متفرقة من الموجودات اللافلزية المهمة في الإقليم، التي تبرز تنوعها الجغرافي وتوزعها الواسع بين المدن والقرى.
الصخور الصناعية
تتميز صخور إقليم كوردستان العراق الصناعية بتنوع كبير وانتشار واسع في مختلف المناطق، حيث تعد الصخور الكلسية من أهم الموارد الطبيعية المستخدمة في صناعة الأسمنت، وتتواجد بكميات هائلة في مناطق بازيان جنوب غرب السليمانية، وقرة جوخ جنوب أربيل، وجبل حرير، جبل شكروك، وجبل ﭘيرسو، وجبل كورك، ومنطقة دركار عجم شمال زاخو، ما يجعلها قادرة على دعم عشرات معامل الأسمنت ومساندة البنية التحتية والصناعات المحلية.
أما صخور المرمر، فتنتشر في مناطق حاج عمران، ورايات، وگلالة، وناوﭘردان، وﭽومان، وجبل ﮔيمو، وتأتي بألوان متعددة تشمل الأسود والأبيض والأحمر وألوان أخرى، وتتميز بجودة عالية من حيث النوعية والكمية، مما يجعلها مادة مثالية للاستخدام في المشاريع الهندسية والتشطيبات المعمارية الراقية. كما توجد الصخور المستخدمة في صناعة الطابوق، وهي صخور رملية – غرينية - طينية ذات اللون البني المحمر، في مناطق واسعة تشمل كركوك وجمجمال، وشرق وغرب أربيل، وجنوب عقرة وجنوب دهوك، باتجاه زاخو. وتستعمل أساساً في إنتاج الطابوق المستخدم في البناء المحلي. وتظهر الصخور الجبسية بكميات محدودة في مناطق محددة مثل شمال مخمور وشرق آغجلر، وتستخدم بشكل رئيسي في صناعة الأسمنت.
وبالإضافة إلى ذلك، تنتشر في كوردستان صخور أخرى متنوعة، بعضها مستخدم بالفعل، وبعضها يحتاج إلى دراسات تفصيلية لتحديد النوعية والكمية، ومن أبرزها صخور البناء بأنواعها المختلفة بما في ذلك الكلسية والنارية والرملية والدولومايت، إضافة إلى الصخور الطينية الحمراء التي قد تحتوي على معادن طينية مثل البنتونايت والمستخدمة في حفر الآبار النفطية، وأيضاً الحصى والرمال التي تُستعمل بشكل رئيسي في البناء والطرق والمنشآت الهندسية، ما يعكس تنوع ثروات الإقليم الطبيعية وقدرتها على دعم المشاريع الاقتصادية والبنائية على نطاق واسع.
التوصيات:
تظهر الثروات المعدنية في إقليم كوردستان العراق كإمكانية اقتصادية ضخمة لم تستثمر بالشكل الأمثل بعد. وتؤكد الجهود البحثية والاستكشافية المستمرة وفرة هذه الموارد، فيما يبقى التحدي هو تحويل هذه الإمكانات إلى مشاريع استثمارية عملية تعزز التنمية المستدامة وتدعم الاقتصاد المحلي.
ڤاروجان خاچيكك سيساكيان: خبير جيولوجي