منذ تأسيسها، شكّلت المكتبة الكوردية في ستوكهولم فضاءً ثقافياً ومعرفياً استثنائياً، يربط بين التاريخ والبحث الأكاديمي ويعكس حضور الكورد في المنفى والمهجر. المكتبة ليست مجرد مكان لحفظ الكتب والوثائق، بل تحولت إلى مؤسسة تحمل هوية شعب وتسعى إلى أرشفة ذاكرته ونقلها إلى الأجيال.
التأسيس والبدايات
في فبراير/ شباط 1996، شرع نديم داغدَفِيرَن (1953 – 2007)، بدعم من مؤسسة ثقافة المستقبل (Framtidens Kultur)، في تأسيس المكتبة الكوردية في السويد، لتكون مركزاً يجمع المعرفة الأدبية والثقافية المتعلقة بالكورد وكوردستان. ومع انتشار أخبار المشروع في وسائل الإعلام وبفضل شبكة واسعة من العلاقات مع الكورد والسويديين، تحولت الفكرة إلى واقع ملموس.
قال نوزاد هروري، مدير المكتبة الكوردية الحالي والذي تولى إدارتها بعد وفاة مؤسسها عام 2007 في حوار أجرته معه مجلة «كوردستان بالعربي»، إن هدف المؤسس كان «توفير منصة ثقافية مستقلة تحفظ التراث الكوردي وتتيح الوصول إلى الأدب والمصادر البحثية لكل المهتمين بالقضية الكوردية داخل السويد وخارجها. وبفضل دعم الدولة وبلدية ستوكهولم وأصدقاء القضية الكوردية، افتتحت المكتبة رسمياً على يد وزيرة الثقافة آنذاك ماريتا أُلفسكوغ (Marita Ulvskog) في 10 أكتوبر / تشرين الأول 1997، بحضور شخصيات كوردية وسويدية بارزة»، مضيفاً أن المكتبة بدأت كمشروع تجريبي لمدة عامين، تولت خلالهما جمعية أصدقاء المكتبة الكوردية إدارة الشؤون المالية. وفي 25 أغسطس / آب 1999، سُجلت كمؤسسة مستقلة تحت اسم «مؤسسة المكتبة الكوردية»، بمجلس إدارة يضم منظمات وشخصيات سويدية وكوردية، إلى جانب مجموعة استشارية من باحثين وخبراء من فرنسا، وهولندا، والولايات المتحدة، وألمانيا، وكوردستان ودول أخرى. وأشار هروري إلى أن تركيبة المجلس تغيرت عبر السنوات؛ فقد توفي بعضهم، وانسحب بعض الأعضاء.
ومن أبرز المنظمات التي كان لها ممثلون في المجلس: المكتبة الملكية السويدية، والمكتبة الدولية، والجمعية السويدية للمكتبات واتحاد الجمعيات الكوردية في السويد.
أما الشخصيات التي ترأست المجلس منذ التأسيس وحتى اليوم:
- كلي كليمينت (Kalli Klement)، المترجمة ورئيسة اتحاد الكتاب السويديين
- أوفە رودبیري (Ove Radberg)، مسؤولة أحد أقسام التعليم في بلدية ستوكهولم
- آن موراي (Anne Murray)، أمينة المتحف الإثنوغرافي والرئيسة السابقة لجمعية الصداقة السويدية - الكوردية
- شرمين بوزآرسلان، الرئيسة السابقة لاتحاد الجمعيات الكوردية في السويد
- ماريا ليسنر (Maria Leissner)، الرئيسة السابقة لحزب الليبراليين.
وفي عام 2011، انتقلت المكتبة إلى مبنى جديد، بحضور وزيرة الديمقراطية وشؤون الاتحاد الأوروبي بريغيتا أولسون (Birgitta Olsson) مراسم الافتتاح.
رسالة وأهداف المكتبة
وبين هروري، لمجلة «كوردستان بالعربي» أن المكتبة مؤسسة مستقلة تماماً عن أي انتماءات دينية أو سياسية، وتعتمد على مبدأ حرية التعبير كقيمة أساسية. وتعمل المكتبة على جمع وحفظ ونشر الأدب والمعلومات المتعلقة بالكورد وكوردستان وحماية التراث الثقافي الكوردي من الاندثار والرقابة والإخفاء والمصادرة، إضافة إلى تعزيز التعاون مع مؤسسات ثقافية داخل السويد وخارجها وتنظيم أنشطة تهدف إلى تعزيز اللغة الأم والهوية المتعددة الثقافات. كما توفر المكتبة بيئة تعليمية وثقافية شاملة تشمل الدورات اللغوية، وقراءة القصص للأطفال، والندوات وحلقات المطالعة باللغتين الكوردية والسويدية، إلى جانب أنشطة لتعزيز القراءة والبحث الأكاديمي، مما يجعلها مكاناً يجمع بين الدراسة والتفاعل الثقافي، ويؤهلها لتكون ملتقى للأسر والطلاب والباحثين المهتمين بالشأن الكوردي، مؤكداً أن المكتبة تمثل مؤسسة ثقافية حية تجمع المعرفة وتتيح الوصول إليها لكل الباحثين، كما تعمل على تطوير المحتوى الرقمي لتسهيل الاطلاع على المواد خارج المكتبة.
محتويات المكتبة
وفيما يتعلق بمحتويات المكتبة يقول نوزاد هروري، إنها تجمع جميع الأعمال المطبوعة والرقمية التي ألّفها الكورد أو كُتبت عن الكورد وكوردستان، حيث تشمل مجموعة الكتب التي تحتوي على إصدارات بجميع اللهجات الكوردية. بالإضافة إلى كتب عن الكورد أو من تأليف الكورد بلغات متعددة تشمل (العربية، والأرمنية، والبلغارية، والدنماركية، والإنجليزية، والإستونية، والفنلندية، والفرنسية، والفلمنكية، واليونانية، والإيطالية، والكاتالونية، والنرويجية، والفارسية، والبولندية، والروسية، والسويدية، والتركية، والألمانية)، وتضم هذه المجموعة الأدب الروائي، والكتب العلمية، وكتب الأطفال، إلى جانب عدد من الموسوعات. ويصل إجمالي الكتب إلى أكثر من 17 ألف كتاب. كما تحتوي المكتبة على الأعمال الأكاديمية من أطروحات جامعية وبحوث ورسائل علمية كتبها باحثون كورد أو تتعلق بالكورد وكوردستان، أنجزها طلاب من كوردستان ومختلف أنحاء العالم، إضافة إلى مجموعة الدوريات التي تضم أكثر من ألف مطبوعة دورية بالكوردية ولغات أخرى، مرتبة أبجدياً، ومجموعة المقالات التي تشمل مقالات بالكوردية وأخرى مكتوبة عن الكورد وكوردستان، متاحة للقراءة والنسخ داخل المكتبة.
وتشمل مجموعات المكتبة أيضاً الوثائق والمطبوعات اليومية التي تضم منشورات الأحزاب والمنظمات الكوردية، والملصقات، والتقاويم، والرسائل، والدعوات، والنشرات التعريفية، وبرامج المؤتمرات والمهرجانات، والبيانات الصحفية، والمنشورات الإعلانية، مرتبة وفق اسم الجهة المصدرة. إلى جانب كل هذا فهي تحتوي على مجموعة الصور التي تضم أرشيفاً فوتوغرافياً لمصورين سويديين مثل إلين كلاسون، وتورد فالستروم، وجورج كريستينسن، فضلاً عن خرائط، وبطاقات بريدية، ورسومات كاريكاتورية، ومجموعة التسجيلات الموسيقية التي تشمل أغاني كوردية مسجلة على أشرطة كاسيت وأقراص سي دي. وأخيراً المجموعة الرقمية التي تحتوي على كتب ودوريات ومقالات وتقارير رقمية، مع وجود منصة Pukbook لقصص الأطفال المسموعة، مما يجعل المكتبة مركزاً متكاملاً لحفظ التراث الكوردي وإتاحته للباحثين والزوار.
الخدمات والأنشطة
وأشار هروري إلى أن المكتبة تتيح للزوار الاطلاع على المواد المطبوعة داخل المكتبة أو استعارتها، وكذلك الاستفادة من الكتب والمجلات الإلكترونية، وتنفذ على مدار السنة حوالي 40 فعالية ثقافية تشمل المحاضرات، والمعارض الفنية، ولقاءات تعريفية بالكتب ومناقشتها، والأمسيات الشعرية، والفعاليات للأطفال، مع إمكانية متابعة معظمها عبر قناة المكتبة على يوتيوب، كما تسعى المكتبة عبر التبرعات إلى شراء مبنى خاص بها، وترقيم المصنفات الموجودة، وتوسيع الأرشيف الرقمي، وإتاحته للباحثين والمهتمين عالمياً بما يعزز دورها في نشر المعرفة والثقافة الكوردية محلياً وعالمياً.
بين رفوفها وصفحاتها المتنوعة، تواصل المكتبة الكوردية في ستوكهولم حكاية شعبها، محافظة على تراثه وهويته، ومفتوحة أمام الباحثين والمهتمين لنقل المعرفة وإلهام الأجيال القادمة.