نداء كاظم: للنحت الكوردي جمال استثنائي
نداء كاظم: للنحت الكوردي جمال استثنائي
November 15, 2025

في لقاء خاص مع مجلة «كوردستان بالعربي»، يفتح النحات العراقي البارز نداء كاظم قلبه وذاكرته الفنية، مستعرضاً مسيرة حافلة بالإنجازات والتحديات، ومشاركاً رؤيته للفن النحتي في العراق وكوردستان.

شغف لا ينطفئ

«الفن هو حياتي كلها»، هكذا يبدأ النحات نداء كاظم حديثه معنا، «شغفي لفن النحت هو الذي جعلني احافظ على روح الشباب بداخلي، ومازلت أمارس عملي اليومي بالحماس ذاته، أخطط لدراسات ومشاريع مستقبلية».

يستذكر كاظم إنجازاته الفنية خلال الفترات العصيبة التي مرت بها البلاد بمزيج من الفخر والحسرة. «نحتُّ تمثال بدر شاكر السياب، والفراهيدي، وأبي تمام في الموصل الذي للأسف تمت سرقته بعد سقوط المدينة بيد تنظيم داعش الإرهابي عام 2014، إضافة إلى تمثال أبي جعفر المنصور، والمرأة العراقية، وفهمي سعيد».

وبنبرة يشوبها الألم، يضيف: «بعض أعمالي سُرقت بعد عام 2003 وسقوط نظام صدام حسين، وبعضها الآخر سُرق خلال سيطرة داعش على مدن عراقية، ومن ضمنها تمثال أبي تمام».

في عام 1969، حقق كاظم إنجازاً نوعياً في مسيرته المهنية، «أسست أول مشغل لصهر البرونز للتماثيل لوزارة الثقافة. لكن الفترة الأكثر أهمية في حياتي الفنية، والتي رسمت مساري المهني، كانت من عام 1957 حتى بداية دراستي في معهد الفنون الجميلة مطلع عام 1960، حين بدأت الدراسة الأكاديمية تحت إشراف أستاذي الكبير جواد سليم».

جواد سليم.. المعلم والملهم

تتغير ملامح كاظم وهو يتحدث عن أستاذه، وتمتلئ كلماته بالعرفان والتقدير، «جواد سليم كان أكثر من فنان متميز، كان معلماً بالمعنى الحقيقي للكلمة. منحني الدراية والفهم العميق للمنحوتة، وأخذت منه هذا الإرث الثمين، مما جعلني حريصاً على تنفيذ العمل الفني بدقة متناهية».

وكان جواد سليم، حسب رأيه، يعلّم تلاميذه بشكل عملي من خلال أعماله، ومن خلال الاحتكاك اليومي به، «كان يطالبك بإنجازات محددة في العمل. ومع مرور الوقت، أصبحت أحمل بصمته الفنية، حتى أن العديد من الفنانين قالوا لي: (حتى قبضة الآلة أنت تمسكها وتستخدمها مثل الفنان جواد سليم)، وهذه شهادة أعتز بها كثيراً».

حين سألناه عن المواد المفضلة لديه في النحت، أجاب كاظم بعمق خبرته: «كل المواد تحمل جماليتها الخاصة. الخشب، على سبيل المثال، له سحر استثنائي. في بداية عملي بالمجال الفني، وفي أول معرض شاركت فيه عام 1957، كانت أعمالي من الخشب، ولأول مرة اقتُنيت مني أعمال فنية».

ويشرح بدقة علاقة النحات بالمادة: «الخشب يمتاز بأنه يتحكم بالفنان من خلال ألياف الشجرة وجماليتها الطبيعية. أنت تمشي معه وهو من يقودك نحو جماليته. إذا تقبل الفنان جمالية الخشب، سيصل إلى عمل فني رائع، والعكس صحيح»، أما المرمر والبرونز «فلهما خصائص مميزة أيضاً، لكن البرونز أكثر طواعية وفيه إنسانية عالية. لذلك نرى التماثيل البرونزية في العالم كثيرة، يليها المرمر. المرمر له خلق خاص لأن كتلته ولونه تفرض نفسها على النحات».

يُعرّج كاظم على العلاقة بين اختيار المادة وصمود العمل الفني، فـ«التمثال من يختار مادته يختارها من أجل صموده، لذلك اخترت منحوتاتي من البرونز لطواعيته وإنسانيته. للأسف، حتى هذه التماثيل القوية تأثرت بفعل الحروب والاضطرابات».

ويروي بأسى: «تم إطلاق النار على بعض التماثيل، حتى نصب الحرية صار هدفاً للتسلية عند البعض. تمثال بدر شاكر السياب تعرض لخمس إطلاقات في صدره، وللأسف تمت معالجته بطريقة خاطئة أساءت لجماليات التمثال».

النحت في كوردستان.. رؤية ومستقبل

يضيء وجه كاظم حين ينتقل الحديث إلى كوردستان العراق، «زرت كوردستان بين عامي 2004 و2005، ولم تكن حينها تماثيل كثيرة. أتمنى أن أزور كوردستان مجدداً، وأن أقدم محاضرات لطلبة الفنون هناك».

ويضيف بحماس: «أنا مستعد تماماً لتقديم الدعم للنحاتين الكورد وإعطائهم دورات تدريبية لتعليمهم طريقة صب البرونز. بل وأكثر من ذلك، أنا على استعداد لإنشاء مصب برونز وتدريبهم عليه، ليتمكنوا من تنفيذ أعمالهم بهذه المادة المميزة».

ويتعمق كاظم في تحليله للنحت الكوردي بنظرة ثاقبة. فهو ينظر «إلى النحات الكوردي الأكاديمي بإعجاب شديد، فهو متميز بطبيعته. المجتمع الكوردي وخصوصية الفرد الكوردي ولباسه والأزياء الكوردية تجعل النحت للتماثيل جميلاً جداً. لذلك ترى التماثيل الكوردية تتمتع بجمال استثنائي وتميز فريد وفيها إنسانية أعمق».

«خصوصية المنحوتات الكوردية تختلف عن باقي المنحوتات الأخرى لأنها تحمل خصوصية الزي الكوردي، وهذا ما يمنحها تفاصيل وجمالاً أكثر ثراءً وعمقاً»، يضيف الفنان نداء كاظم.

مشاريع مستقبلية وطموحات

عندما سألناه عن مشاريعه المستقبلية، كشف كاظم عن طموح يراوده: «إذا قدمت لي حكومة كوردستان صوراً جيدة للراحلين القاضي محمد وملا مصطفى البارزاني، فأنا مستعد لإجراء دراسة متأنية للمشروع. وإذا اقتنعت بها واقتنعوا هم برؤيتي، سأكون في غاية السعادة لتنفيذها. أتمنى حقاً أن أنجز مثل هذا المشروع المهم بالتعاون مع حكومة إقليم كوردستان».

يختتم النحات المخضرم نداء كاظم لقاءنا برسالة مفعمة بالحكمة إلى جيل الشباب من النحاتين: «نصيحتي لكل النحاتين الشباب في كل مكان، عليهم أن يعملوا دراسة معمقة لأي عمل قبل الإقدام عليه. وأهم من ذلك، أن يعتبر الفنان نفسه متعلماً دائماً في أي فترة من فترات حياته، حتى إذا وصل لعمر التسعين».

ويختم بتواضع العلماء: «أنا إلى الآن أعتبر نفسي متعلماً، لأن الفن عميق جداً، ومهما عملت وقدمت، ستشعر أنك لم تقدم إلا القليل. المعرفة واسعة، والطريق طويل».

نبذة عن الفنان

نداء كاظم (من مواليد البصرة، 1939) – نحات عراقي بارز خريج معهد الفنون الجميلة (1965). صقل موهبته في إيطاليا وأسس أول معمل لصب البرونز في العراق (1970). أثرى المشهد الفني العراقي بأعمال خالدة، منها تماثيل السياب والفراهيدي بالبصرة، أبو تمام بالموصل، والمرأة العراقية والمنصور ببغداد. خلّد بأزميله وجوه أبرز المثقفين العراقيين كالجواهري والمخزومي وسعدي يوسف، ليصبح حارساً للذاكرة الثقافية العراقية عبر فن البرونز.​​​​​​​​​​​​​​​​


رياض الحمداني

صحفي ومؤلف عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved