أطراف صناعية ترمم اَثار الحرب
أطراف صناعية ترمم اَثار الحرب

يعمل مركز أربيل المتخصص بتركيب وصناعة الأطراف الصناعية والمساند منذ ما يقارب ثلاثة عقود، بهدف التخفيف من معاناة ضحايا الحروب، والألغام، والحوادث، والأمراض، والتشوهات الخلقية، من خلال إعادة دمجهم في المجتمع وبناء ثقتهم بأنفسهم. كما يسعى عبر برامج المشاريع الصغيرة، إلى توفير مصادر دخل لذوي الإعاقة.

خدمات مستمرة منذ نحو 30 عاماً

يضم مركز أربيل لإعادة التأهيل البدني التابع للجنة الدولية للصليب الأحمر والذي تأسس قبل ثلاثة عقود، عشرات المهنيين والفنيين وغيرهم. ويُعدّ الأكبر من نوعه في العراق لخدمة ذوي الإعاقة البدنية من سكان إقليم كوردستان والمناطق العراقية المجاورة الأخرى، فضلاً عن النازحين واللاجئين.

غسان ستار، 47 عاماً، من سكنة محافظة نينوى، أحد مراجعي المركز منذ أكثر من 20 عاماً. تحوّلت حياته إلى مأساة عام 2005 إثر إصابته برصاص طائش أثناء اشتباك مسلح بين قوات الشرطة العراقية ومسلحين، ما أدى إلى بتر ساقه اليسرى فوق الركبة.

خلال إعداد هذا التقرير، كان غسان حاضراً في صالة التدريب على المشي، وهو يجرّب طرفه الصناعي الجديد، ويقول «كنت أمتلك محلاً في حي الصناعة بمدينة الموصل، وفي يوم 24 شباط 2005 وقع اشتباك مسلح قرب المحل، ما أدى إلى إصابتي برصاصات تسببت ببتر ساقي اليسرى».

وتابع غسان: «بعد شهرين من الحادثة جئت إلى مركز أربيل، ومنذ ذلك الحين وأنا أراجعهم، فهم يقدمون خدمات متميزة ومن دون مقابل مادي. كما يوفرون أجور النقل والطعام خلال الزيارة، باستثناء تكاليف المبيت».

مديرة مركز أربيل لإعادة التأهيل البدني هيدي برهان

 

خدمات شاملة ومجانية

وتقول مديرة مركز أربيل لإعادة التأهيل البدني هيدي برهان، في تصريح لمجلة «كوردستان بالعربي»، إن «مراجعي المركز يتلقون خدمات متنوعة تشمل تركيب الأطراف الصناعية، والمساند التقويمية، والكراسي المتحركة، والمعينات الحركية، وغيرها من الأدوات المساعدة على ممارسة الحياة اليومية».

وأكدت المديرة «تقديم  مشاريع اقتصادية صغيرة لعدد من ذوي الإعاقة البدنية لتأسيس مشاريع صغيرة، وقد نجح العديد منهم في إقامة مشاريع خاصة توفر لهم دخلاً يعينهم على إعالة أنفسهم وعائلاتهم».

وأشارت إلى أن «المركز قدّم خدماته لنحو 20 ألف شخص من ذوي الإعاقة البدنية، ويتكرر تقديم الخدمات لهم كل سنتين أو ثلاث في حالة البالغين، وكل 3 - 6 أشهر في حالة الأطفال. ويستفيد من خدماته سكان إقليم كوردستان والمحافظات المجاورة بما في ذلك نينوى وكركوك، من السكان الأصليين والنازحين واللاجئين، بالإضافة إلى نزلاء المراكز الإصلاحية (السجون) في أربيل.

وتُقدّر «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» عدد العراقيين المحتاجين إلى خدمات إعادة التأهيل البدني بأكثر من 600 ألف شخص، بينهم 200 ألف بحاجة إلى أطراف صناعية أو مساند تقويمية.

مسؤولة الإعلام في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في أربيل أفين ياسين

 

الأطفال نصف المستفيدين

ووفقاً لوزارة الصحة العراقية، فإن 15% من سكان العراق (أكثر من 6 ملايين شخص) هم من ذوي الإعاقة.

وتسهم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، عبر ثلاثة مراكز، في أربيل وبغداد والناصرية، لتخفيف العبء عن حكومتي المركز والإقليم.

وتعود برهان لتقول إن «مركزنا كان في بدايته يستهدف ضحايا الألغام والمخلفات الحربية، لكنه توسع لاحقاً ليشمل جميع أنواع الإعاقة، سواء كانت ناجمة عن الحروب أو منذ الولادة، أو لأسباب أخرى».

وأضافت أن «نصف مراجعي المركز هم من الأطفال، خاصة المصابون بالشلل الدماغي وضحايا التشوهات الخلقية، فيما يشكل ضحايا الألغام والنزاعات المسلحة نحو 25% من المستفيدين».

ويتم قبول نحو سبعة آلاف فرد سنوياً لتلقي خدمات المركز، ويتم تخريج حوالي ستة آلاف منهم بعد استكمال دورة الخدمات. وتُشير الإحصاءات إلى أن 70% من المستفيدين من الذكور، ومعظمهم من البالغين الذين يحتاجون إلى أطراف صناعية، في حين يُزوّد الأطفال غالباً بالمساند.

وبحسب إحصائيات المركز، فقد بلغ عدد المستفيدين من خدماته خلال عام 2024 والنصف الأول من 2025 أكثر من 11,617 شخصاً.

كما حصل 2,127 مستفيداً من دعم الوصول على شكل تعويض تكاليف النقل، وتوفير الوجبات والإقامة. وقد ساعدتهم هذه الخدمات على استكمال دورة الخدمة. وتم تصنيع 772 طرفاً صناعياً و3,656 مسنداً تقويمياً، وتوزيع 609 أدوات مساعدة على المشي، وتقديم 481 كرسياً متحركاً، وإجراء 34,772 جلسة للعلاج الطبيعي. فيما استفاد 74 شخصاً من برنامج المشاريع الاقتصادية الصغيرة للدمج الاجتماعي.

التعليم من أجل الاستدامة

سلمان رؤوف، من مواليد 1983، أحد مراجعي المركز، كان قد أصيب قبل ثلاثة عقود بانفجار لغمين أثناء رعيه الأغنام في ناحية پردي (آلتون كوبري)، ما أدى إلى بتر ساقه اليسرى. ويقيم حالياً في ناحية قوشتبة التابعة لأربيل. يقول رؤوف لمجلة «كوردستان بالعربي»: «منذ عام 2000 وأنا أراجع هذا المركز الذي أعدّه بيتي الثاني. العاملون فيه يقدمون أفضل الخدمات، ويتعاملون معنا بكل احترام، وكانوا لنا سنداً لإعادة الثقة بالنفس والاندماج في المجتمع».

وبفضل الطرف الاصطناعي الذي حصل عليه، استطاع رؤوف العمل في أحد معامل صناعة الحلويات في أربيل، وهو اليوم يعيل أسرته بنفسه.

وتحذر مسؤولة الإعلام في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في أربيل أڤين ياسين، من تزايد أعداد ضحايا الألغام والمخلفات الحربية، داعية الفلاحين والرعاة والسياح إلى تجنب المناطق الخطرة، كون هذه المخلفات ما زالت تشكل تهديداً كبيراً على السكان.

نحو تأهيل كوادر محلية متخصصة

يضم مركز أربيل 44 موظفاً، من بينهم 33 من الكوادر الفنية والطبية والاجتماعية، فيما يشغل الآخرون وظائف إدارية. ويمتلك المركز ورشاً ومعدات عالية الجودة من أفضل المناشئ العالمية.

وبهدف سدّ النقص في الكوادر المؤهلة، وقّعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عام 2020 مذكرة تفاهم مع وزارتي التعليم العالي والصحة في إقليم كوردستان والعراق، تم بموجبها استحداث قسم خاص لصناعة وتركيب الأطراف الصناعية في جامعة أربيل التقنية، لمدة ثماني سنوات.

وتقول ياسين إن تأسيس هذا القسم، الذي تخرجت منه الدفعة الأولى وعددهم 15 شخصاً، ومن المقرر أن تتخرج دفعة مماثلة العام المقبل، «يهدف إلى إعداد كوادر محلية مؤهلة للعمل في المركز مستقبلاً، مما يُغني عن الحاجة إلى الاستعانة بعمالة أجنبية».

وبعد انتهاء مدة المشروع في عام 2026، من المفروض أن يتم تسليم القسم وورشته إلى الجهات المعنية في إقليم كوردستان لضمان استمراريته.




X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved